في مثل تلك الضروب يضطرب نبض القلم ويتنازع الحبر مع ورقه لأن الورق متعطش لأن ترويه والحبر يلفظ نفسه من شدة ألم المخاض .
إنني أكتب وكلي يطرق أمام عظمة المشاهد التي عبرت أحداث حياة امرأة عظيمة فأعلت من عظم الصورة وهيبة المقام لكأنك تسمع صرير النبض من وقع ما يتساقط على النفس من نفحات الجلال .
أطلت عبور ذلك المشهد الذي يصف حال جسدها الساكن الوقور في حالة اعتزال حبائل الدنيا وضرب حجب الخلوات في مقامات خلع غبارها والابتعاد عن الرتع في ضروبها والاختلاط بزينتها وخلع جراحها وكل من يخذلنا فيها كل من لا يفهمنا فيها وكل من شأنه تكسير شموع الهمم من على ضفاف الملهمين .
هنا يتضح جلال المشهد بقول الحق تعالى : ” واذكر في الكتاب مريم إذ اتخذت من أهلها مكانا شرقيا ” ، شرقيا عن كل ما يكدر صفو المناجاة وصفو الدموع وكل ما شأنه أن يتجسس على جيش الشعور الداخلي الذي نفث سهام الحب من فيلق القلب شوقا وحبا ، هنا يأتي المدد الرباني محفوفا ببشارة مغلفة بابتلاء عظيم .
” فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا ” ، وقبل أن تعقد طرائق الابتلاء لتصب في قلبها طرقني ذلك المشهد ،، في تضطرب لوحات السكون بكسر مفاجيء زاد من جمال تيكم اللوحة لكن مريم عليها السلام لم تضطرب لم تصرخ ولم تهرب ولم تفعل أي شيء سوى أنها استعصمت بالذي اعتزلت قومها لأجله ، وقالت ” إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا” .
ياااه ما أروع هدوئك في لحظة لا حظ فيها للهدوء في عرف البشر ! إذ يطرق أحدهم باب الصراخ أو باب الهرب أو الهجوم حتى ، لكنها النفوس القرآنية عندما تتشرب سكون وحيه فينضبط إيقاع السلوك بأهدى وأسكن وأرقى ما يكون .
مطرقة كسر تلك اللوحة لم تقف عند ذلك الروع الذي ألقي في قلبها بعد أن طمئنها بأنه رسول ربها وليس بشرا تعتريه نوازع الإيذاء ونوازل الشهوات .