في أحد الأيام التي كنت عائدة منها للبيت برفقة صديقتي, لمحنا طفل صغير ولطيف, لم يخف الفقر رقة وجمال ملامحه, كان يحمل علبة اللبان ويقترب من الناس ليسالهم إذا ما أرادوا الشراء, كنت أرغب بالشراء لكن صديقتي أوقفتني قائلة: ” هكذا نحن لا نساعده, بل نخدم أهله فهذه النقود عائدة إليهم, لما لا نشتري له شيء يحبه؟ ” فعلا كيف لنا مساعدة الطفل عبر تشجيع أهله على إرغامه على العمل لساعات طويلة, ربما هكذا هو الأمر الأهالي يضعون أطفالهم في ظروف سيئة ليستثيروا عاطفة الناس وجيوبهم.
عمالة الأطفال بناء على تعريف الجمعية العامة للأمم المتحدة: هو العمل الذي يضع أعباء ثقيلة على الطفل، والذي يهدد سلامته وصحته ورفاهيته، العمل الذي يستفيد من ضعف الطفل وعدم قدرته عن الدفاع عن حقوقه، العمل الذي يستغل عمل الأطفال كعمالة رخيصة بديلة عن عمل الكبار، العمل الذي يستخدم وجود الأطفال ولا يساهم في تنميتهم، العمل الذي يعيق تعليم الطفل وتدريبه ويغير حياته ومستقبله.
ولعل أبرز الأسباب لعمالة الأطفال هو العامل الثقافي للأسرة فبعض الأسر لا تهتم بتعليم أبنائها فهي تؤمن بأن حصول الطفل على عمل هو اختصار للطريق التعليمي الطويل, فلماذا إضاعة الوقت والمال على تعليم الأولاد فقط ليقال عنهم متعلمون ومن المحتمل ألا يجدوا وظيفة.
إن مثل هؤلاء الطفال ضحايا لمثل تلك الأسر الأنانية التي غالبا ما يكون عدد الأبناء فيها كبيرا للغاية, والأب فقيرا والأم لا تعمل, فماذا يفعلون هل يتوقفون عن الإنجاب من أجل توفير حياة كريمة لأبنائهم؟
كلا, فهم يجب أن ينجبوا بكثرة بناء على فهمهم الخاطئ لحديث الرسول -الذي كثيرا ما يذكرونه-
“تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة” ليضعوا على عاتقهم هذا التكاثر, متجاهلين حقيقة تكاثر القوة والصلاح التي ذكرها الرسول: “المؤمن القوي خير و أحب إلى الله من المؤمن الضعيف” ليتكاثروا تكاثرا يدمر المجتمع, فهم يجبرون أولادهم على العمل في سن صغيرة لساعات طويلة وبظروف سيئة, ويكرهون فتياتهم على الزواج في سن مبكر, وباسم الدين!
إن الطفل بحاجة لبيئة امنة ودافئة ليكبر فيها كإنسان سليم نفسيا- حين لا يتم معاقبته وشتمه وإهانته من قبل رب العمل- , وكذلك جسديا- لازدياد احتمالية تعرضهم لإصابات خطرة- وأيضا عقليا واجتماعيا.
لذلك أنا انتظر بفارغ الصبر المستقبل الذي يتم فيه إضافة فحص لمستوى الذكاء وكذلك الحالة النفسية بجانب فحص الدم للمقبلين على الزواج لتصبح ضروريات لا يمكن التكاثر بدونها.
Previous
Next