ثم إنني لا أراه من العقل أن يكون هناك حافظا لكتاب الله ثم تكون حياته وعقله ومنطقه كأي شخص لا يحفظه ، إنه لمن العجب أن أن تحفظ القرآن ثم لا تصبغ به أنفاسك وسكناتك وحركاتك وحياتك ولحظاتك وكل ذرة في جسدك ، كيف تحفظ القرآن ثم لا يختلط فيك ولا يمتزج في روحك.
أعجب من أن تكون حافظا لكتاب الله ثم تجلس في جلسة فتكون فيها سهل الكلام كثير الضحك تسمع سقطات الكلام وهفوات الحديث ثم لا يتمعر قلبك ، يخوضون في الدنيا وفي زينتها وتشاركهم ولا تكون زاهدا وقورا مرتفعا ، تشارك في أي حديث وتجلس أي مجلس ولا يكون للقرآن حضورا في قلبك .
يراك الناس فلا يتذكرون القرآن وإن كان الأولى من صاحب القرآن أن تنطق كل جوارحه برسالة القرآن ، كيف يكون الحافظ للقرآن مضيعا لوقته ؟ مقصرا في دراسته لا يزاحم صفوف المتوفقين ، كيف يقرأ همم الصحابة في الغزوات وهمة النبي عليه الصلاة والسلام ثم لا يكون له منها قدوة ولا أسوة ولا قنطير ولا قطمير !
يقبل التسذيج ولا يمنع الذل عن نفسه ويسترسل في المباح من الكلام ، ويخالط الدنيا كمن يخالطها باقيا فيها ،قليل الدمعة والعبرة قليل الذكر والمطالعة والقراءة ركيك الفكر ، يضحكه كل شيء ولا تبكيه آية ، تمر به الأيام ولا يتلو القرآن ولا يذكر به ولا يعلمه ولا يحرك به قلوب الناس ، ضئيل الطموح متواضع الآفاق ، وإن صاحب القرآن وحافظه ينبغي أن يكون بعيدا عن كل هذا البتة .
فأنت أيها الحافظ تعلم بحفظك كتابه وجوب المعاهدة والتذاكر ، تقرأ أول آيات البقرة ” ذلك الكتاب لا ريب فيه ” ، فهو الكتاب الحق وهو عين اليقين وهو أصدق ما قيل فكيف تحويه وتكون ضئيل المنطق وخفيت الظهور وضعيف البيان وعديم الحجة والبرهان ؟ كيف تحويه ثم لا تكون صلبا قويا بائن الكلم رزين الحديث منطلقا لا تخاف إلا الله ؟ كيف لا تكون حراً وأنت الذي خرجت من مدرسة الأحرار ؟