إبراهيم الجزرة: اصنعوا لأنفسكم العمل ولا تنتظروه من أحد
لحب الوطن رجالٌ وما كان فارسنا إبراهيم الجزرة إلا نموذجاً يحتذى به؛ لخدمة وطنه وتضحياته الجمّة التي كانت وما زالت تنهمر على مجتمعه من حوله، حتى عرفه الناس بإخلاصه وتفانيه للعمل من أجل وطنٍ قد سرقه المغتصب منا، ولمّا كان الوطن مدفعا قويا لفئة الشباب في التسعينات ترجل أبو جابر ليكن أحد أهم الشباب الذين كرّسوا وقتهم جله لحلم يحاولون تحقيقه في استعادة فلسطين إلى مستحقيها.
وشغل الجزرة عدة مناصب فقد كان من أوائل مؤسسي جهاز الأمن الوقائي متنقلا بين جنين ، وطولكرم، ثم انتقل للعمل في رام الله في الإدارة العامة ثم الضابطة الجمركية، وترأس بلدية جنين، فهو كالسنبلة التي تمنح من داخلها الكثير من حبات الخير، انطلاقا من ذلك تمت هذه المقابلة، وفيما يلي نص الحوار :
* لكل منا طفولة مميزة تجعل لحياته طعماً خاصا،ً حدثنا عن حيوية طفولتك وما المميز بها؟
الطفولة كما قلتِ هي الطعم المميز بحياتنا فلم أكن ذاك الطفل الهادئ المنطوي على نفسه؛ بل الرياضة سيطرت على طفولتي فكنت أعشقها منذ الصغر، وإلى الآن أصف نفسي بأنني إنسان رياضي بامتياز، فكنت السبّاح ولاعب القوى وكرة القدم وغيرها من الالعاب الرياضية لكنني تميزت بهذه المجالات.
وفي عام ١٩٨٦لعبنا المصارعة الحرة واجتزت مناطق الضفة، ووصلت أيضا لأراضي ال١٩٤٨ استمريت في ذلك حتى عام ١٩٨٧عندما اشتعلت نيران الانتفاضة فدخلنا للعمل الوطني.
*مع بدء أحداث الانتفاضة بالتسارع والتصارع لم يتوانَ الصهاينة عن أسر كل من كان في قلبه ذرة حب وعمل لوطنه؛ فوقعت أنت أيضا بالأسر، وهنا تكمن روح العطاء والتضحية من أجل الوطن، حدثنا عن تلك الفترة ومتى اعتقلت، وأبرز معاناتكم كأسرى الانتفاضة؟
تم اعتقالي مرات عدة من الاحتلال وتعرضت لتحقيقات واسعة بذريعة مقاومتي تجاه العدو الغاشم ، لكن ذروة الاعتقال كانت في ١٧-٣ حيث تم اقتحام مكان سكني في جنين، وتم اعتقالي وبدأت مرحلة المعاناة والنقل من سجن لآخر والمحاكمات المستمرة؛ حيث كنت أول النزلاء في سجن النقب الصحراوي ب٢٤-٣-١٩٨٨، ومررت بمراحل متقطعة من الأسر فكنت من أول المجددين أيضا في الاعتقال الاداري تحت ملف أسود لا يفتح، فيتم سجني لستة أشهر ثم تجديدها لستة أخرى ثم ثلاثة وهكذا بالرغم من صغر سني في تلك الأيام، ثم خضنا إضراب في سجن نابلس عام ١٩٨٩ بعد النقل المستمر من سجن لآخر استمر لعشرين يوما.
*لا يخلو بيت من أسير لكن لكل أسرة معاناة خاصة، ما الذي فقدته وعانيت من فقدانه إلى الآن وأنت في السجن؟
بالبداية المعاناة ليست حكرا على أحد فكلنا نعاني، لكن بنظري انحصرت معاناتي في فقداني لأخي خضر في ١٨-٧-١٩٨٩ ثم وفاة والدتي أيضا وأنا في الأسر عام ١٩٩١ ثم والدي، فلا أتوقع أي معاناة أشد من هذا الفقدان الثلاثي الذي إلى الآن أحلم بمشاهدتهم وضمهم إلى صدري بعد خروجي من السجن، لم يبق للمنزل رائحة، رحمهم الله، وهذا كل من أجل وطن قد سلب منا وسننزعه منهم بإذن الله.
*لم تتوقف مقاومة الشبان الفلسطينيين عند بدء المفاوضات وتوقيع اتفاقيات مثل مدريد؛ وهنا تبزغ روح المقاومة الوطنية وتعلن للملأ أننا ما زلنا نقاوم حتى بعد الانتفاضة ، كونك عنصر فعال في المقاومة ما أبرز ملامح المقاومة ؟
انطلقنا في تنظيم حركة فتح في محافظة جنين للعمل على بث جو من السلم الأمني والأهلي بمساعدة مجموعة من الاعضاء النشطين معنا منهم زياد هب الريح ، نضال صالح ، وعبد السلام السعدي ،ثم تم تشكيل جهاز الأمن الوقائي لخدمة أبناء شعبنا ودعم وصمودهم على هذه الأرض، فقد كانت مرحلة صعبة من الناحية الامنية، إلى أن تم تشكيل السلطة الفلسطينية في بداية عهدها فتم تعييني كرئيس لجهاز الأمن في محافظة جنين وبعد ذلك تنقلنا في العمل ضمن منظومة الجهاز الأمني في محافظات الوطن الى أن وصلنا لرام الله.
*للعمل في الضابطة الجمركية أمر يحتاج لقوة التعامل مع التجار والأشخاص أصحاب النفوذ؛ وكان لك نصيب من هذا العمل، أين تجد نفسك بهذا العمل؟
لقد قدمت الكثير في هذا العمل من حل للمشاكل الكبيرة، فقد كان لي باع طويل فيه من مواجهة الأحداث المتتالية داخل الضابطة، كما كنا نبذل أقصى جهودنا لحلها، ولتوفير حياة آمنة وأمن غذائي للمواطنين.
*علمنا من خلال التقصي المستمر لشخصيتك أنه تم اقالتك مرات عدة أثناء عملك كضابط في الجمركية، وضح لنا هذه النقطة؟
خلال تقديمي لواجبي الوطني، نعم أصفه بذلك فخلال عملي هذا كنا ندافع عن وطن بأكمله من محاربتي للفساد المتفشي، ولأننا نحارب الفساد فقد تم محاربتي من قبل متنفذين في السلطة وتم اقالتي ثلاث مرات متتالية خلال سنة ونصف فقط إلا أنني كنت أعود للعمل، أما المرة الثالثة فقد كانت مختلفة فحاول المسؤولين أن أقدم استقالتي لهم من خلال بعض الأحداث إلا أنني رفضت تقديم اسقالتي وقلت لهم “سأدخل موسوعة غينيس ف الاقالات” وليس الاستقالات، فنحن نجد في كل منطقة من يدافع عن الفساد ونحن سنبقى نحاربهم بطرقنا المختلفة.
*للخير رجال ليسوا كغيرهم، ولشعاع الخير نصيبٌ منك، حملة أطلقتها أنت ومجموعة من النسوة والشباب للعمل الخيري الذي أضاء حياتك كما وصفت لنا، ما الذي في هذه الحملة تقدمونه وإلى أين تطمحون بالوصول بعد سنوات عدة من العمل الخيري ؟
بدأت هذه الحملة منذ 3 سنوات، نقدم من خلالها مساعدات للأيتام والمحتاجين بشكل خاص، من أدوية و تصليح بيوت وغير ذلك.
كما أننا نسعى لحل مشكلة البطالة من خلال اقامة مشاريع صغيرة مثل فتح دكان أو مخيطة، ونأمل في السنوات القادمة توسيع هذا المشروع باستهداف أعداد أكبر وفئات أكثر، وأوجه تحية معطرة بالمسك لمن هم جنود لهذه الحملة لفاعلي الخير الذين تمسكوا معنا في تقديم العون لمن يحتاج.
*رسالة تقدمها لأبناء جنين وماذا تحب أن تقول لهم ؟
في البداية اصنع لنفسك الوظيفة ولا تنتظر أن تأخذ الوظيفة، ولا تترددوا في فعل الخير إن كنتم قادرين على ذلك ففي ذلك انعكاس ايجابي كبير على المجتمع وترابط أبناءه فهو يصنع أيضا التكافل الاجتماعي، اخلصوا لبلدكم وضّحوا من أجله، فهو يحتاجكم .