منذ أن أشرعت أفواه المعصية ومنذ تلك اللحظة التي كسر فيها جذورا من نفسه لا زالت إلى الآن تنزف،وكل فترة وأخرى يسمع أزيز الألم فيها ،ومن حين لآخر تغرق قمم عزيمته بنزيف الفتور وتدحرج قطع الألم على فتات سعادته.
يحسب أنه قريب وهو البعيد،يتثاقل بخطى سيره، يحمل جبال الهمم بين راحتيه يكسر أصابعه لكي لا تدفن بين قدميه ، ويرسل الطرف في ألم خفي، ويداعب بشعاع النظر النجوم ويحاكي ماء عيونه بعدها ،نعم فماء عيونه غريب عنه حتى.
ذلكم في حين من سير أيامه ولج في حجر المعصية ،وقد كان قبلها يستعصم بنفسه ويظن منها بأن لا زلل ولا وقوع ولا ابتغاء للمعصية ، بدم مرتجف باشر ستر الله وتدفق القلب بعروق الغشاوة والغفلة ، واجتث القلب من معارجه واستل من محرابه ، وهدأ سيف الحب السماوي في غمده ، ليقترف الذنب .
حينها هوى من على أغصان الاستقامة وسلب منه ما لم يكن في حسبانه ولم يطرق جوف قلبه أن سيتعكر ماء وجهه وأن ستأتي تلك اللحظة التي يهتك ستر الله عليه .
كان يظن أنها طامة صغيرة ونزوة نفس ريثما انتهى منها ، ارتد إلى بئر قلبه وأشبعه الدموع وأهاجه صراخ بأن كيف فعلت ولماذا؟وأقسم أن يعيد مرارة الاهتراء، لكنه ومع أسفه قد انزلق مزلقا لا يحسد عليه وفتح بابا متربع خلفه أبواب كثيرة مشرعة بدون طرق ولا خوف ولا ارتجاف عرق ولا نبض إيمان سيردعه من عبورها،سوى ذلك السكين الذي يحز نياطه بألم داخلي هائج ويهتاج ولكن سرعان ما يخرمده إعصار شهوته وشغفه الذي أشرب ترك القرآن وهجر نوره ، وعلى التزود بالاتكال على عرجون النفس،والاتزار بمهتريء الذات .
أيا هذا ،أيا متعب العين ودامي الفؤاد وساكب الأفق من آهات، قم فثمة صفعة قد علمك الله منها بأن لا تحمل طوق النجاة بحصيلة جهدك وسجايا نفسك التي خلقها الله وهو أدرى بضعفها وشدة فاقتها لتشد حبائلها بالاتكال عليه والاعتصام به وبه وحده ،فلا تقوم للنفس قائمة في مقام الاتكال، هنا ستترجم كل صيحة مفاجأة بعد اقتراف الذنب أو قبله ذلك النداء الجوفي العميق :ياااارب أريدك،أرحني أرحني .
وهنا ينتظم نبض الحروف،ويضبط إيقاع الكلمات، وتختصر الحروف بنداء سطر في صفحات الخلود المعجز ،لنمر بطيف ” وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم ” ، ولا أبلغ من حاله يونس عليه السلام الذي التحف وافترش وتنفس الظلام وارتشف الوحدة في بلاءه فصدع بشعاع صوته ليملأ أفقه المسدود بنور العون الرباني ولطفه المحكم الدقيق : ” لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين” .
فالزمها ،وصل حبائلك كلها بعصمته وترقب برءا وشفاء وبردا وسلاما.
على أشرعة الألم
اترك تعليق
اترك تعليق