من أبرز ما يميز نسخة هذا العام لبطولة الأمم الإفريقية عدد المنتخبات الذي ارتفع إلى 24 منتخبا. لكن الأحداث التي استبقت هذه البطولة التي ستقام في مصر جعلتها أكثر تميزا عن سابقتها.
لم يسبق أن شهدت الاستعدادات لبطولة كأس أمم إفريقيا هذا الكم من التعقيدات كما هو الشأن بالنسبة للنسخة الحالية التي ستنطلق في مصر من الحادي والعشرين من يونيو/حزيران إلى غاية التاسع عشر من يوليو/تموز. البداية كانت مع الكاميرون حين أعلنت الأخيرة رسميا فشلها في ضمان جهوزيتها في الوقت المطلوب، رغم أن بلاد “الأسود غير المروضة” وقع عليها الاختيار قبل خمس سنوات من انطلاق بطولة 2019.
وانتهى الأمر أن قام الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (كاف) في نوفمبر/تشرين ثان بسحب ورقة التنظيم من الكاميرون، وعزا ذلك لتأخر مشاريع البناء في مواقع المباريات وإلى الأزمة السياسية بين الحكومة والشطر الناطق بالإنجليزية في البلاد. بعد ذلك اسندت في يناير/كانون الثاني الماضي استضافة “الكان” إلى مصر التي نافست جنوب إفريقيا بشراسة.
في غضون ذلك، رفعت جزر القمر دعوى ضد الكاميرون لدى المحكمة الرياضية الدولية، مطالبة بإقصاء الكاميرون من منافسات البطولة، غير أن شكواها هذه بقيت دون أثر.
وقبل انطلاق البطولة بنحو أسبوعين، تعكر صفو الاستعدادات مجددا بالإعلان عن توقيف أحمد أحمد، رئيس الكاف من قبل المدعي العام في مدينة مرسيليا الفرنسية للتحقيق معه على خلفية تهم فساد. وذلك قبل أن يخلى سبيله دون توجيه تهم رسمية إليه. واعقب هذا التطور الاجتماع الذي استمر يومين للجنة الاستثنائية التي أوكلت إليها مهمة اتخاذ قرار بشأن مباراة الإياب لنهائي دوري أبطال إفريقيا بين الترجي التونسي والوداد البيضاوي المغربي.
الإنهاك قبل صافرة البداية
وبعد كل هذه التطورات، لا عجب في أن ينتظر الكثير من الفاعلين في كرة القدم الإفريقية بفارغ الصبر انطلاق المنافسات التي سيشارك فيها 24 منتخبا فيما ستوزع المبارايات على ستة ملاعب: ثلاثة في القاهرة وواحد في كل من الإسكندرية والإسماعلية والسويس.
ولأول مرة في تاريخها ستُقام كأس الأمم الإفريقية في فصل الصيف وسط حرارة تتجاوز 30 درجة مما يشكل تحديا للفرق المشاركة لن يكون الوحيد، كما يقول الدولي التونسي السابق زبير بايا: “غالبية اللاعبين الذين سيشاركون في كأس أمم إفريقيا سبق وأن خاضوا خلال هذا الموسم أكثر من 40 مباراة، والرقم يصل إلى 50 مباراة بالنسبة للاعبين الذي يلعبون في أوروبا”. ويتابع لاعب نادي فرايبورغ السابق الذي يعمل اليوم كخبير لقناة أبو ظبي الرياضية: “والآن يجب عليهم اللعب مجددا. وهذا لا يؤثر فقط على الجسم، بل أيضا على الجانب النفسي… إنهم مجرد بشر”.
وحول رفع عدد المنتخبات المشاركة إلى 24 فريقا، يرد بايا في حوار مع DW: ” أنا أعارض تماما هذا المخطط، لأن الجودة ستنهار”. وكما هو الشأن بالنسبة إلى بطولة أوروبا، فإن بات بإمكان الثالث في المجموعة التأهل لثمن النهائي. وهذا من شأنه التقليل من “سخونية” المباريات، خاصة في الدور الأول من البطولة مقارنة بنظام 16 فريقا. بيد أن النظام الجديد يمكنه أيضا خلق مفاجآت كبيرة، حسب اعتقاد باتريك مبوما، مهاجم الكاميرون السابق والحائز مرتين على لقب البطولة الإفريقية.
مصر والمغرب من أقوى المرشحين
وتتمثل جاذبية كأس أمم إفريقيا للكثيرين في كونها بطولة مفتوحة النتائج. فالكاميرون انتزعت في عام 2017 اللقب رغم أنها كانت خارج دائرة التوقعات تماما. وفي هذه الدورة تتم المراهنة بقوة على ثلاثة منتخبات وهي مصر والسنغال والمغرب.
“في إفريقيا يمكن دوما الانطلاق من فرضية أن صاحب الأرض هو صاحب اللقب”، يقول زبير بايا مضيفا أنه و”مع محمد صلاح تملك مصر لاعبا جيدا يمر حاليا بأقوى مرحلة في مسيرته. والجمهور المصري سيلعب بالطبع دوره”. وبالتالي فإن الرقم القياسي الذي بحوزة “الفراعنة” لن يثني من عزيمتهم في انتزاع اللقب القاري الثامن لبطولة تنضم على أرضهم .
السنغال بدوره، له مؤهلات قوية ويتوفر على نجوم كبار على غرار المدافع كاليدو كوليبالي، لاعب نابولي الإيطالي، إلى جانب الجناح ساديو ماني زميل محمد صلاح في ليفربول الإنجليزي المتوج حديثا بلقب أبطال أوروبا. “ماني يبقى بالطبع الاسم البارز في هذا المنتخب، ويتميز بكونه يضع نفسه دائما في خدمة فريقه. الأمر الذي يرفع من فرص السنغال”، كما يرى بايا. وإلى جانب مصر والسنغال، لا يمكن أبدا تجاهل ورقة المغرب. فـ”أسود الأطلس” لديهم مع حكيم زياش لاعبا موهوبا جدا. وهو ليس الوحيد، إذ “يتوفر المنتخب المغربي على لاعبين محنكين، وكذلك على مدرب ذي تجربة فريدة متمثلا في شخص هيرفي رونار الفائز بلقب البطولة مرتين ومع فريقين مختلفين. وهذا ما يجسد قوة المغرب”. يضاف إلى ذلك أن المغرب متعطش بقوة إلى اللقب القاري الذي غاب عنه منذ دورة 1974، وفيما بات المنتخب متهما بأن زئير “أسوده” خفت إلى الأبد.
الخضر كـ”ورقة سرية”
وإلى جانب هذه الفرق الثلاثة توجد سلسلة من الفرق التي لها تطلعات لنيل اللقب، كما هو الشأن بالنسبة للكاميرون المدافعة عن اللقب. “لا أحد يعرف ماذا سيحدث عندهم. لم يراهن أحد على فوز الكاميرون بلقب 2017. وماذا حصل؟! “الأسود غير المروضة” فازت. بعدها راهن الجميع على تأهل هذا المنتخب لمونديال 2018 ـ لكنه فشل بشكل ذريع. سنرى ما الذي جهزه المدرب كلارونس زيدورف لهذا الفريق”، يقول باتريك مبوما.
ومن غير المستبعد أيضا أن تلعب نيجيريا وغانا دورا رئيسيا في هذه البطولة “حتى ولو أنها ليست مستقرة في الأثناء”. وفي حواره مع DW، يجر زبير بايا الانتباه إلى الجزائر كـ “ورقة سرية” حسب تعبيره. فـ”الخضر” يقودهم مدرب شاب (جمال بلمادي) بكفاءة عالية، كما أن الكثير من لاعبيه أنهوا موسما جيدا مع أنديتهم، مثل بغداد بوجناح الذي يسجل في قطر أهدافا بالجملة أو سفيان فغولي الذي أحرز لتوه الثنائي مع غلطة سراي التركي.