في يوم ربيعي من أيام السنة وبالتحديد في شهر آذار اجتمع أهل غزة كبارا وصغارا عن بكرة أبيهم ليعلنوا للعالم أنهم متظاهرون سلميا لعودة اللاجئين إلى بيوتهم وللمطالبة في كسر الحصار المفروض على قطاع غزة منذ ما يقارب ال13عاما، لكن هل استمر الشعب في التظاهر ومن خلفه القيادة، أم بعد أسابيع عدة عاد كل منهم إلى بكورهم وانتهى الأمر بالوقوف أمام نقاط فاصلة بين القطاع والاحتلال الصهيوني، وما التداعيات التي طرأت على تلك المسيرات؟ وعند أي حد توقفت؟
بدأت مسيرات العودة بشكل محدد في 30آذار 2018، واستمرت للآن بعد اكتمال قمرها الأول، وأخذ شعب غزة نفسا عميقا بعد العام الكامل ليكملوا ما عاهدوا أنفسهم عليه، فكانت كل جمعة تهب جماهير غزة لنقاط محددة، يشاهدوا من خلالها معسكرات اليهود، ثم هتف الشعب “لا للحصار، نعم لعودة اللاجئين”.
وفي خضام هذا المسيرات حلل الكثيرون أنها المنفس الوحيد الذي بات لأهل غزة بعد أن باغتهم الحصار من كل الاتجاهات، وضع اقتصادي متهالك وبقايا من الإنسانية نراها في غزة عبر ما ينقل لنا من دمار هائل في أغلب القطاعات، حيث يعد القطاع من أفقر مناطق العالم وأقلها إمكانيات مادية، فحذرت الأمم المتحدة من أنه سيصبح مكانا غير صالح للعيش بعد سنوات إن استمر الحصار.
وقالت مراكز حقوق الإنسان هناك شح قاتل في توفر فرص العمل، فأنت ترى الخريج يقف خلف بسطة زعتر ليبتاعها ويعود لأهلها بشواقل محدودة، حصار استمر عقدا من الزمن وما زال الاحتلال يراوغ على كسر إرادة شعب صنعت من حديد شديد الحمية، لكنه حسب المعطيات الحاضرة فالاحتلال أصبح ينهك في كل مكان لإيقاف المسيرات، فما السبب؟
لبست مسيرات العودة لباس السلمية، ورفعته شعارا لها “سلمية سلمية “، منذ البداية ومنظموها متمسكون بأنها مسيرات شعبية لا يستخدم بها إلا الوسائل المسموح بها لعدم إخراجها من هدفها، ولتري العالم كيف تتظاهر، وكيف يسلب حقها في العيش فقط.
وأكد الشبان في مقابلات كثيرة، على استخدامهم الحجارة وأدوات بسيطة كحرق الإطارات وعلى إثرها تم تأسيس وحدة الكوشوك، ووحدة الحجارة ، وغيرها كنوع من التنظيم بين الشبان ولإرهاق اليهود في مواجهتم للمسيرات، فسببت إرهاقا للجنود المتمركزة على الحدود، فما بالكم بما تم استخدامه من البالونات الحارقة التي قضت على غالبية محاصيل المستوطنات المحاذية للقطاع، ثم تطورت المسيرات وعملت على تشكيل وحدات للإرباك الليلي، حتى لا يهنأ الجنود ولا مستوطنيه بنوم وراحة حتى في الليل.
وفي هذا السياق عملت الجهود على تحقيق أهدافها مصممة ألا تعود عنها إلا وبتحقيق ما رأت إليه، ثم التفت القيادة الفلسطينية في غزة حول شعبها، وراهنت معهم على نجاح المسيرات والمضي معهم في المظاهرات.
وفي نفس السياق تم عمل مخيمات وتخطيط برامج كاملة لها لاستغلال وجود الشعب في تثقيفهم وترفيههم، وعمل حملات كاملة تخللت أيضل مواقع التواصل الاجتماعي.
هذا على سياق ما قام به أهل غزة، أما ردود فعل الإسرائيليين فلم تتوقف يوما عن “الجعير” هنا وهناك لمحاولة منها لإيقاف المسيرات التي أنهكت جسدها الهزيل أصلا، فشددت منذ بدايتها أنها مدارة من قبل حماس والمشاركون فيها ليسوا سوا أعضاء في حماس والمجموعات العسكرية التي تقاوم اليهود، فقامت بانتهاك القانون الدولي وعملت على قتل السلميين بدم بارد، ولم تتوقف لهذا الحد بل قتلت أيضا واستهدفت الصحفيين والممرضين وكل الطواقم الطبية والصحفية بشكل مباشر، ما أدت لوقوع ضحايا كثر، تجاوز عددهم ال100، عدا عن الإصابات التي لم يعد بالمقدور حصرها، بالرغم من عدم تجاوز الفلسطينيين سلميتهم في المظاهرات، فلن ننسى ياسر المرتجى الذي فاز في مسابقة لأجمل صورة وتم تكريمه وهو في القبر، فقد ودع حياته أثناء تغطيته المسيرات، ولا ننسى طائرة الحرية رزان النار وغيرهم الكثير، التي عجز الاحتلال عن إيقافهم عن جهودهم بالرغم من استمرار استهدافهم، فهم جبال شامخة في المدافعة عن حقهم، فحاولوا قتل إنسانيتهم لكنهم قتلوا سمعتهم التي كان قد بقي منها القليل أمام العالم الغربي.